كيف يعرف العلماء؟
كيف يعرف العلماء؟
إن العلماء يُعرَفون بعلمهم، فالعلم هو: الميزة التي تميزهم عن غيرهم، فهم إن جهل الناس نطقوا بالعلم الموروث عن إمام المرسلين -صلى الله عليه وسلم- ويُعرَفُونَ برسوخ أقدامهم في مواطن الشُبهِ، حيث تَزيغُ الأفهام فلا يَسْلَمُ إلا من آتاه الله العلم، أو من اتبع أهل العلم.
فالعلماء أطواد ثابتة لأنهم أهل اليقين الراسخ الذي اكتسبوه بالعلم، يقول الإمام ابن القيم الجوزية -رحمه الله-: "إن الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه، ولا قدحت فيه شكاً؛ لأنه قد رسخ في العلم فلا تَسْتَفِزه الشبهات، بل إذا وردت عليه ردها حرسُ العلم وجيشُه مغلولةً مغلوبة".
إن العلماء يُعرفون أيضاً بجهادهم ودعوتهم إلى الله وبذلهم الأوقات، والجهود في سبيل الله، ويُعْرفونَ بنسكهم وخشيتهم لله؛ لأنهم أعرف الناس بالله، يقول الله : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [سورة فاطر:28]، يُعْرفونَ باستعلائهم على الدنيا وحظوظها.
إن العلماء بهذه الصفات وغيرها يعرفهم الناس، فأيما رجلٍ رأيت المعتبرين في الأمة وجمهورها من أهل الحق قد اعتبروه عالماً، ورأوا له ريادته، وعلمه فهو عالم.
قال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ومن له في الأمة لسانُ صدقٍ عامٍ بحيث يثُنى عليه ويُحمد في جماهير أجناس الأمة، فهؤلاء أئمة الهدى ومصابيح الدجى". وهذا حق، فالمسلمون شهداء الله في أرضه.
عن أنس بن مالك قال: مَروا بجنازة فأثنوا عليها فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال: وجبت فقال عمر بن الخطاب ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً، فوجبت له النار. أنتم شهداء الله في الأرض وفي رواية: المؤمنون شهداء الله في الأرض.
ومما يُعرف به العالم شهادة مشايخه له بالعلم، فقد دأب علماء المسلمين من سلف هذه الأمة ومن تبعهم بإحسان على توريث علومهم لتلامذتهم، الذين يتبوؤون من بعدهم منازلهم وتصبح لهم الريادة، والإمامة في الأمة، ولا يتصدر هؤلاء التلاميذ حتى يروا إقرار مشايخهم لهم بالعلم، وإذنهم لهم بالتصدر، والإفتاء، والتدريس.
قال الإمام مالك -رحمه الله-: "لا ينبغي لرجل يرى نفسه أهلاً لشيء حتى يسأل من كان أعلم منه، وما أفتيت حتى سألت ربيعة ويحيى بن سعيد فأمراني بذلك، ولو نهياني لانتهيت". وقال: "ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للتحديث والفتيا جلس حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل، وأهل الجهة من المسجد، فإن رأوه أهلاً لذلك جلس، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخاً من أهل العلم أني موضع ذلك".
ومما يدل على علم العالم وفضله: دروسه وفتاويه ومؤلفاته.
قال الإمام أبو طاهر السلفي عن الإمام الخطابي: "وأما أبو سليمان الشارح لكتاب أبي داود، فإذا وقف مُنصف على مصنفاته، واطّلع على بديع تصرفاته في مؤلفاته؛ تحقق إمامته وديانته فيما يورده وأمانته، وكان قد رحل في الحديث، وقراءة العلوم، وطوَّف، ثم ألَّف في الفنون من العلم وصنف".
هذه بعض الدلائل الدالة على علمِ العالمِ وفضله، أما المناصب ونحوها فهي ليست الدليل على العلم.
إن العلماء لا يحددون ويختارون عن طريق الانتخاب، ولا عن طريق التعيين الوظيفي، فكأيٍّ من عالمٍ في تاريخ الأمة تصدر وعلا ذكره، وأصبح إماماً للأمة كلها، وهو لم يعرف المناصب، وما الإمام أحمد، وشيخ الإسلام ابن تيمية إلا مثلان من هذا التاريخ الطويل للأمة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "المنصب والولاية لا يجعلان من ليس عالماً مجتهداً، ولو كان الكلام في العلم والدين بالولايات والمنصب لكان الخليفة والسلطان أحق بالكلام في العلم والدين، وبأن يستفتيه الناس ويرجعوا إليه فيما أشكل عليهم في العلم والدين، فإذا كان الخليفة والسلطان لا يدعي ذلك لنفسه، ولا يلزم الرعية حكمه في ذلك بقولٍ دون قول إلا بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فمن هو دون السلطان في الولاية أولى، بأن لا يتعدى طوره...).
وهذا لا يعني أن كل من عين في منصبٍ علميٍ ليس بعالم، بل المراد: أن المنصب ليس دليلاً على العلم، وإلا فإن الشأن عندما يكون الحاكم خَيّراً، أن يكون الولاة والقضاة والمفتون كذلك، بل قد يوجد في عهدٍ ظالمٍ قضاةٌ عادلون ومفتون ثقات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
_________
المرجع:
قواعد في التعامل مع العلماء
تأليف فضيلة الشيخ عبد الرحمن اللويحق.